قصيدة بصرية عن المرونة، وعن الإيمان بأن الضوء سوف يجد طريقه دائما، بغض النظر عن مدى الظلام، وبغض النظر عن طول ليالينا.

ليس مقاتلا تقليديا بارز الأعداء بل محارب يخوض معركة الوجود باحثا عن ذاته الضائعة بين الصخور متسلقا جذوع الأشجار المتساقطة وكأنها عقبات في طريقه الروحي تتأمل العيون وينبض القلب بإيقاع المغامرة ليس الخوف ما يدفعه بل شغف اكتشاف المجهول في قلب الطبيعة واكتشاف أعماق الذات إنها ليست مجرد عبور في غابة بل ملحمةٌ تتجسد فيها صراعات الروح وتطلعات الذات.

كنتُ متخفياً بين القصب، أراقب بحذر مجموعة من الطيور المائية، بينها طيور أبو المغازل، وهي تتحرك بهدوء على سطح الماء الهادئ. كانت حركاتها وئيدة، وصوت الماء يتهادى مع حفيف أجنحتها الخفيف، مشكّلةً لوحة طبيعية ساكنة. فجأة، ودون سابق إنذار، انقطعت السكينة. تحولت اللحظة إلى انفجار من الحركة العارمة. انطلقت الطيور كسهام حية تخترق الهواء، مرتفعةً بأجسادها البيضاء والسوداء في انسجام مذهل. كانت لحظة سحرية من الدهشة والإعجاب، كشفت فيها الطبيعة عن قوتها الكامنة في تحويل السكون إلى مشهد حي لا يُنسى.

عناق الماء و الغابة في لحظة من السكون الآسر، يتهادى الجمال الأخضر على صفحة النهر ... وكأن الطبيعة قد أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تعصف بها رياح التغيير

كنتُ أجلسُ منهكًا، تستنزفُني رحلةٌ عميقةٌ في صفحاتِ التاريخ التي ترويها حجارةُ مدينةِ كويكول الأثرية. رفعتُ رأسي ببطءٍ نحو السماءِ الملبدةِ بالغيوم، فإذا بتلكَ الأعمدةِ الشامخةِ تُحَدِّقُ فيَّ، كأنها تقولُ بصمتٍ مهيب: "عليك أن تُحافظَ على تركيزك، فما زالَ الكثيرُ أمامك. انظر إلى صمودي؛ ألم تفهم بعدُ أن كلَّ زاويةٍ هنا مُتقنةٌ ببراعةٍ لا تُصدق؟ ألا تزالُ تجهلُ السرَّ وراءَ كلِّ هذا؟" بدتْ تلكَ الأقواسُ المتبقيةُ خلفها كعيونٍ حكيمةٍ، تشهدُ على عظمةِ مَن بنوها، وتُخبرُني أنَّ هؤلاءِ البُناةَ لم يشعروا بتعبٍ قطُّ وهم يُشيّدونَ هذا المجدَ الخالدَ الذي لا يزالُ يقفُ شاهدًا على عظمةِ التاريخِ البشري.